Sunday, February 22, 2009

ماذا يعني ان "تحمل مليون دولار في صحراء قاحلة

عن مدونة محمد عمر

كان معي مبلغا "كبيرا" من المال، حوالي ثلاثة آلاف ليرة لبنانية. صرفت ليّ القوى الأمنية المشتركة راتب شهر مقدما حتى استطيع شراء أكل باي طريقة. احمل المبلغ في جيبي لعل وعسى أجد محلا ما مفتوحا اشتري منه علبة تونا او علبة مرتديلا. لا شيء.

ماذا يعني ان "تحمل مليون دولار في صحراء قاحلة"، يقول مراسل قناة العربية عن مهزلة هدنة غزة التي قررها "جيش الرب" لثلاث ساعات يوميا.

ماذا يعني ان تدخل شقة شبه مدمرة. وترى ذهبا ومجوهرات تركها سكان الشقة. تترك كل متاع الدنيا هذا لتبحث عن كسرة خبز او مرطبان مربى او مخلل او ما تبقى من مونة البيت او ملابس داخلية نظيفة، او بقية ماء في المواسير او الخزانات لتبل ريقك وتغسل وجهك وتمسح جسمك او بطاريات لتستمع للإذاعة...

ماذا يعني ان تستمع للإذاعة؟ لتعرف أين يكمن الموت القادم. او متى ستبدأ الهدنة التي قررها مبعوث سيد البيت الأبيض، فيليب حبيب، بالتشاور مع شفيق الوزان، رئيس وزراء لبنان آنذاك، وارييل شارون.. ام لتسمع ما إذا كان "العرب" نظموا يوم غضب احتجاجا على الموت العبثي والمجاني والة الحرب وجنود جيش الرب.

عندما غادرنا بيروت عرفنا أن الشعب الجزائري تظاهر بمئات الآلاف احتجاجا على خسارة فريقه الوطني ظلما أمام منتخب ألمانيا في بطولة كأس العالم. عرفنا ان المئات من العرب والإيرانيين ابدوا استعدادهم او هم تطوعوا للقتال إلى جانبنا. ماذا كان يعنينا لو عرفنا هذه المعلومة ونحن تحت الحصار مثلا؟

ماذا يعني أهل غزة الآن، كل هذا البث المباشر لموتهم؟ هل يعنيهم هذا بشيء كما كان يعنينا في بيروت. هل يفيدهم بشيء أم أنها "لعبة الإعلام" ولعبة الرجال الأطفال وهم بما لديهم فرحون. ماذا يعني المحاصر ان يرتفع ضغط دم المواطن العربي او يصاب بجلة وهو يشاهد البث المباشر لمراسلين فرحين بإتقانهم "لواجبهم المهني"...

ماذا يعني ان تكون محاصرا وتعرف ان قرية "العزيرية" في جنوب الواق الواق انتفضت تضامنا معك، وأنت لا تستطيع ان ترى او تسمع شيئا عن زوجتك او حبيبتك او طفلك الذي لا يبعد عنك سوى أمتارا معدودات.

يقول أب غزيّ لمراسل قناة "الجزيرة" أمس. أنا هنا مع طفلي الجريح لكني لا اعرف ماذا يحدث لزوجتي وبقية أطفالي الذين تركتهم في البيت..

ويقول الطبيب الغزي الذي استشهدت زوجته الاوكرانية وابنه :" أنا هنا في المستشفى مع ابني الجريح، لكن أشلاء زوجتي وطفلي الآخر لا تزال في المنزل ولا اعلم ولا استطيع ان اذهب الى هناك لا اعرف ما حصل معهما او لأجمع أشلائهم للدفن...".

ماذا يعني المحاصر ان تنقل له الفضائيات كل العالم وهو لا يعرف ماذا حدث بأشلاء زوجته. وماذا يعني المحاصر عندما لا يستطيع ان يرسل برقية لطمأنة أهلة في الأردن من بيروت الغربية. ماذا يعني المحاصر كل "ثورة الانفو ميديا" هذه...

ماذا يعني المحاصر ان يشاهد الغضب العربي، والمحللين العسكريين والسياسيين الذين انهزموا في عشرات الحروب، وأبو مازن يتفتل بطائرات الايرباص، ونبيل عمرو يستعرض كل يوم تشكيلة جكيتات الجلد الفاخرة. والنطاقين الإعلاميين باسم "جيش الدفاع الإسرائيلي" يدافعون عن حقهم في القتل؟

هل يمتلك المحاصر ترف الماء والكهرباء والوقت ليشاهد هذا الكرنفال والبهورة الاعلامية؟

وماذا يعني المحاصر وهو يسمع هدير الغضب العربي الساطع، هذا ان امتلك ترف او وسائل السماع والمشاهدة؟.

لمن تبث هذه الفضائيات التي حولت دمنا وأشلائنا ودمارنا وأطفالنا إلى كرنفال بالألوان.؟

هل شاهد أحدكم مهرجان الألعاب النارية فوق غزة ليلا.. هل استمع أحدكم لأصوات القصف. هل شاهدتم المقاطع التي تبثها الفضائيات لعمليات القصف المصورة من قبل الجيش الإسرائيلي كلعبة اتاري..

هل شاهد أحدكم صور أطفالنا هناك. هل أصبحت فضائياتنا " سبيس تون" بزي حربي؟

عندما كنا في بيروت الغربية لم يكن يعنيني المواطن من كل مهرجان الاعلام والألوان سوى شيء واحد. متى سوف يتم التوصل الى هدنة ليخرج إلى الضوء ليبحث عن مكان فيه ماء أو طعام أقسى ما كان يتمناه المحاصر ان يعرف أين يجد متجرا مفتوحا ليحصل منه على علبة تونة وما عدا ذلك فقد كان غير ذي صلة...

لمن تبث هذه الفضائيات فضيحة موتنا العلني هذا؟.

لأهل غزة الذين لا يمتلكون كهرباء ولا بطاريات ولا ترف الوقت، أم لنصبح فرجة لشعوب العالم او للشعوب العربية المكبوتة والمقهورة لتعاني من ارتفاع في ضغط الدم والشرايين والجلطات والسكر...الخ.

هل فكر هذا الإعلام باحتياجات المحاصر. بماذا يريد؟ من سوف يرشد أب غزي لطريقة آمنة لحماية أطفاله. من يرشد أهل غزة الآن إلى طرق التكييف مع الحصار؟

هل فكر كل المراسلين والإعلاميين المنحازين وغير المنحازين، الموضوعيين وغير الموضوعيين، بأهل غزة، بماذا يريدون، بخدمة هؤلاء غير نقل جريمة إبادتهم إلى العالم...!

هل سأل إعلامي واحد أهل غزة ماذا تريدون من الإعلام؟

ماذا يعني ان يكون الاعلام موضوعيا ونزيها وغير منحاز ودقيق طالما الضحية لا تشاهد نفسها وطالما الضحية تبحث عن فرن خبز يعمل ولا تدري اين هو ولا أي الطرق الآمنة تسلك اليه.؟؟

لمصلحة من تحول هذه الفضائيات، كلها، جريمة إبادة شعب كامل إلى "قصة موت معلن"؟؟؟

No comments: